فصل: قال أبو السعود:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال أبو حيان:

{ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها وذروا الذين يلحدون في أسمائه سيجزون ما كانوا يعملون}.
قال مقاتل: دعا رجل الله تعالى في صلاته ومرة دعا الرحمن، فقال أبو جهل: أليس يزعم محمد وأصحابه أنهم يعبدون ربًّا واحدًا فما بال هذا يدعو اثنين فنزلت، ومناسبتها لما قبلها أنه تعالى لما ذكر أنه ذرأ كثيرًا من الجنّ والإنس للنار ذكر نوعًا منهم وهم {الذين يلحدون في أسمائه} وهم أشدّ الكفار عتبًا أبو جهل وأضرابه وأيضًا لما نبه على أن دخولهم جهنم هو للغفلة عن ذكر الله والمخلص من العذاب هو ذكر الله أمر بذكر الله بأسمائه الحسنى وصفاته العلا والقلب إذا غفل عن ذكر الله وأقبل على الدنيا وشهواتها وقع في الحرص، وانتقل من رغبة إلى رغبة ومن طلب إلى طلب ومن ظلمة إلى ظلمة، وقد وجدنا ذلك بالذوق حتى إن أحدهم ليصلي الصلوات كلها قضاء في وقت واحد فإذا انفتح على قلبه باب ذكر الله تعالى تخلص من آفات الغفلة وامتثل ما آمره الله به واجتنب ما نهى عنه.
قال الزمخشري: التي هي أحسن الأسماء لأنها لا تدل على معان حسنة من تحميد وتقديس وغير ذلك انتهى، فالحسنى هي تأنيث الأحسن ووصف الجمع الذي لا يعقل بما يوصف به الواحدة كقوله: {ولى فيها مأرب أخرى} وهو فصيح ولو جاء على المطابقة للجمع لكان التركيب الحسن على وزن الأخر كقوله: {فعدّة من أيام أخر} لأن جمع ما لا يعقل يخبر عنه ويوصف بجمع المؤنثات وإن كان المفرد مذكّرًا، وقيل: {الحسنى} مصدر وصف به، قال ابن عطية: و{والأسماء} هاهنا: بمعنى التسميات إجماعًا من المتأولين لا يمكن غيره انتهى.
ولا تحرير فيما قال لأنّ التسمية مصدر والمراد هنا الألفاظ التي تطلق على الله تعالى وهي الأوصاف الدالة على تغاير الصفات لا تغاير الموصوف كما تقول جاء زيد الفقيه الشجاع الكريم وكون الاسم الذي أمر تعالى أن يدعى به حسنًا هو ما قرره الشرع ونص عليه في إطلاقه على الله ومعنى {فادعوه بها} أي نادوه بها كقولك: يا الله يا رحمن يا مالك وما أشبه ذلك، وقال الزمخشري: فسمّوه بتلك الأسماء جعله من باب دعوت ابني عبد الله أي سميته بهذا الاسم واختلف في الاسم الذي يقتضي مدحًا خالصًا ولا تتعلق به شبهة ولا اشتراك إلا أنه لم يرد منصوصًا هل يطلق ويسمى الله تعالى به فنصّ القاضي أبو بكر الباقلاني على الجواز ونصّ أبو الحسن والأشعري على المنع، وبه قال الفقهاء والجمهور وهو الصواب واختلف أيضًا في الأفعال التي في القرآن كقوله تعالى: {الله يستهزئ بهم} و{يمكرون ويمكر الله} هل يطلق عيه منه تعالى اسم فاعل مقيد بمتعلقه فيقال الله مستهزىء بالكافرين وماكر بالذين يمكرون فجوّز ذلك فرقة ومنعت منه فرقة وهو الصواب وأما إطلاق اسم الفاعل بغير قيده فالإجماع على منعه، وروى الترمذي في جامعه من حديث أبي هريرة النص على تسعة وتسعين اسمًا مسرودة اسمًا اسمًا، قال ابن عطية: وفي بعضها شذوذ وذلك الحديث ليس بالمتواتر وإن كان قد قال فيه أبو عيسى هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من طريق حديث صفوان بن صالح وهو ثقة عند أهل الحديث وإنما المتواتر منه قول النبي صلى الله عليه وسلم: «إنّ لله تسعة وتسعين اسمًا مائة إلا واحد من أحصاها دخل الجنة» ومعنى أحصاها عدّها وحفظها وتضمّن ذلك الإيمان بها والتعظيم لها والعبرة في معانيها وهذا حديث البخاري انتهى، وتسمية هذا الحديث متواترًا ليس على اصطلاح المحدثين في المتواتر وإنما هو خبر آحاد.
وفي بعض دعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يا حنان يا منان» ولم يردا في جامع الترمذي وقد صنّف العلماء في شرح أسماء الله الحسنى كأبي حامد الغزالي وابن الحكم بن برجان وأبي عبد الله الرازي وأبي بكر بن العربي وغيرهم، قال الزمخشري: ويجوز أن يراد ولله الأوصاف الحسنى وهي الوصف بالعدل والخير والإحسان وانتفاء شبه الخلق وصفوه بها {وذروا الذين يلحدون} في صفاته فيصفونه بمشيئة القبائح وخلق الفحشاء والمنكر وبما يدخل في التشبيه كالرؤية ونحوها، وقيل: معنى قوله: {وذروا الذين يلحدون في أَسمائه} اتركوهم ولا تحاجّوهم ولا تعرضوا لهم قاله ابن زيد فتكون الآية على هذا منسوخة بالقتال، وقيل: معناه الوعيد كقوله: {ذرني ومن خلقت وحيدًا} وقوله: {ذرهم يأكلوا ويتمتعوا} وقال الزمخشري واتركوا تسمية الذين يميلون عن الحق والصواب فيها فيسمونه بغير الأسماء الحسنى وذلك أن يسموه بما لا يجوز عليه كما سمعنا البدو بجهلهم يقولون: يا أبا المكارم يا أبيض الوجه يا سخيّ، أو أن يأبوا تسميته ببعض أسمائه الحسنى نحو أن يقولوا: يا الله ولا يقولوا: يا رحمن، وقيل: معنى الإلحاد في أسمائه تسميتهم أوثانهم اللات نظرًا إلى اسم الله تعالى والعزى نظرًا إلى العزيز قاله مجاهد، ويسمون الله أبا وأوثانهم أربابًا ونحو هذا، وقال ابن عباس: معنى {يلحدون} يكذّبون، وقال قتادة: يشركون، وقال الخطابي: الغلط في أسمائه والزّيغ عنها إلحاد، وقرأ حمزة: {يلحدون} بفتح الياء والحاء وكذا في النحل والسجدة وهي قراءة ابن وثاب والأعمش وطلحة وعيسى، وقرأ باقي السبعة بضم الياء وكسر الحاء فيهنّ و{سيجزون} وعيد شديد واندرج تحت قوله: {ما كانوا يعملون} الإلحاد في أسمائه وسائر أفعالهم القبيحة. اهـ.

.قال أبو السعود:

{وَللَّهِ الأسماء الحسنى} تنبيهٌ للمؤمنين على كيفية ذكره تعالى وكيفية المعاملةِ مع المُخِلّين بذلك الغافلين عنه سبحانه عما يليق به من الأمور وما لا يليق به إثرَ بيانِ غفلتِهم التامةِ وضلالتِهم الطامة، والحسنى تأنيثُ الأحسن أي الأسماءُ التي هي أحسنُ الأسماءِ وأجلُّها لإنبائها عن أحسن المعاني وأشرفِها {فادعوه بِهَا} أي فسمُّوه بتلك الأسماء {وَذَرُواْ الذين يُلْحِدُونَ في أَسْمَئِهِ} الإلحادُ واللحدُ: الميلُ والانحرافُ يقال: لحَد وألحَد إذا مال عن القصد، وقرئ {يَلحَدون} من الثلاثي أي يَميلون في شأنها عن الحق إلى الباطل، إما بأن يسمّوه تعالى بما لا توقيفَ فيه أو بما يوهم معنى فاسدًا كما في قول أهل البدو: يا أبا المكارم يا أبيضَ الوجه يا سخيّ ونحوُ ذلك، فالمرادُ بالترك المأمور به: الاجتنابُ عن ذلك، وبأسمائه: ما أطلقوه عليه تعالى وسمَّوْه به على زعمهم لا أسماؤُه تعالى حقيقةً وعلى ذلك يُحمل تركُ الإضمارِ بأن يقال: يلحدون فيها، وإما بأن يعدلون عن تسميته تعالى ببعض أسمائِه الكريمة كما قالوا: وما الرحمن؟ ما نعرِف سوى رحمانِ اليمامة. فالمرادُ بالترك الاجتنابُ أيضًا وبالأسماء أسماؤُه تعالى حقيقةً فالمعنى سمُّوه تعالى بجميع أسمائِه الحسنى واجتنبوا إخراجَ بعضِها من البين، وإما بأن يُطلقوها على غيره تعالى كما سمَّوا أصنامَهم آلهة، وإما بأن يشتقوا من بعضها أسماءَ أصنامِهم كما اشتقوا اللاتَ من الله تعالى والعُزّى من العزيز، فالمراد بالأسماء أسماؤُه تعالى حقيقةً كما في الوجه الثاني. والإظهارُ في موقع الإضمارِ مع التجريد عن الوصف في الكل للإيذان بأن إلحادَهم في نفس الأسماءِ من غير اعتبار الوصفِ، وليس المرادُ بالترك حينئذ الاجتنابَ عن ذلك إذا لا يتوهم صدورُ مثلِ هذا الإلحادِ عن المؤمنين ليُؤمَروا بتركه بل هو الإعراضُ عنهم وعدمُ المبالاة بما فعلوا ترقبًا لنزول العقوبةِ بهم عن قريب كما هو المتبادرُ من قوله: {سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ} فإنه استئنافٌ وقع جوابًا عن سؤال نشأ من الأمر بعدم المبالاةِ والإعراض عن المجازاة، كأنه قيل: لم لا نبالي بإلحادهم ولا نتصدىّ لمجازاتهم؟ فقيل: لأنه سيُنزِل بهم عقوبتَه وتتشفَّوْن بذلك عن قريب. وأما على الوجهين الأولين فالمعنى اجتنبوا إلحادَهم كيلا يُصيبَكم ما أصابهم فإنه سينزِل بهم عقوبةُ إلحادهم. اهـ.

.قال الألوسي:

{وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى}.
قل: تنبيه للمؤمنين على كيفية ذكره تعالى وكيفية المعاملة مع المخلين بذلك الغافلين عنه سبحانه وتعالى وعما يليق بشأنه عز شأنه إثر بيان غفلتهم التامة وضلالتهم الطامة، وسيأتي إن شاء الله تعالى وجه آخر لذكر ذلك.
والمراد بالأسماء كما قال حجة الإسلام الغزالي وغيره الألفاظ المصوغة الدالة على المعاني المختلفة، والحسنى تأنيث الأحسن أفعل تفضيل، ومعنى ذلك أنها أحسن الأسماء وأجلها لأنبائها عن أحسن المعاني وأشرفها، وقيل: المراد بالأسماء الصفات ويكون من قولهم طار اسمه في البلاد أي صييته ونعته، والجمهور على الأول لقوله عز اسمه: {فادعوه بِهَا} لأنه إما من الدعوة بمعنى التسمية كقولهم: دعوته زيدًا أو بزيد أي سميته أو من الدعاء بمعنى النداء كقولهم: دعوت زيدًا أي ناديته، وعلى التقديرين إنما يلائم ظاهر المعنى الأول على ما قيل.
{وَذَرُواْ الذين يُلْحِدُونَ في أَسْمائِهِ} أي يميلون وينحرفون فيها عن الحق إلى الباطل يقال: ألحد إذا مال عن القصد والاستقامة، ومنه لحد القبر لكونه في جانبه بخلاف الضريح فإنه في وسطه، وقرأ حمزة هنا وفي فصلت {يُلْحِدُونَ} بالفتح من الثلاثي والمعنى واحد، وروى أبو عبيدة عن الأحمر أن ألحد بمعنى مارى وجادل، ولحد بمعنى مال وانحرف، واختار الواحدي قراءة الجمهور قال: ولا يكاد يسمع لأحد بمعنى ملحد، والإلحاد في أسمائه سبحانه أن يسمى بما لا توقيف فيه أو بما يوهم معنى فاسدًا كما في قول أهل البدو يا أبا المكارم، يا أبيض الوجه يا سخي ونحو ذلك، فالمراد بالترك المأمور به الاجتناب عن ذلك، وبأسمائه ما أطلقوه عليه تعالى وسموه به على زعمهم لا أسماؤه تعالى حقيقة، وعلى ذلك يحمل ترك الإضمار بأن يقال: يلحدون بها، وما قيل: إنه أريد بالأسماء التسميات فلذا ترك الإضمار ليس بشيء، ومن فسر الإلحاد في الأسماء بما ذكر ذهب إلى أن أسماء الله تعالى توقيفية يراعي فيها الكتاب والسنة والإجماع فكل اسم ورد في هذه الأصول جاز أطلاقه عليه جل شأنه وما لم يرد فيها لا يجوز إطلاقه وإن صح معناه، وبهذا صرح أبو القاسم القشيري في مفاتيح الحجج ومصابيح النهج، وفي أبكار الأفكار للآمدي ليس مأخذ جواز تسميات الأسماء الحسنى دليلًا عقليًا ولا قياسًا لفظيًا وإلا لكان تسمية الرب تعالى فقيهًا عاقلًا مع صحة معاني هذه التسميات في حقه وهي العلم والفقه أولى من تسميته سبحانه وتعالى بكثير مما يشكل ظاهره بل مأخذ ذلك إنما هو الإطلاق والإذن من الشارع فكل ما ورد الإذن به منه جوزناه وما ورد المنع منه منعناه وما لم يوجد فيه إطلاق ولا منع فقد قال بعض أصحابنا بالمنع منه وليس القول بالمنع مع عدم وروده أولى من القول بالجواز مع عدم وروده إذ المنع والجواز حكمان، وليس إثبات أحدهما مع عدم الدليل أولى من الآخر بل الحق في ذلك هو الوقف وهو أنا لا نحكم بجواز ولا منع والمتبع في ذلك كله الظواهر الشرعية كما هو المتبع في سائر الأحكام وهو أن يكون ظاهرًا في دلالته وفي صحته ولا يشترط فيه القطع كما ذهب إليه بعض الأصحاب لكون المنع والجواز من الأحكام الشرعية، والتفرقة بين حكم وحكم في اشتراط القطع في أحدهما دون الآخر تحكم لا دليل عليه انتهى، وأنت تعلم أن المشهور التفرقة بين الأحكام الأصولية الاعتقادية والأحكام الفرعية العملية كما سنشير إليه إن شاء الله تعالى قريبًا، وخلاصة الكلام في هذا المقام أن علماء الإسلام اتفقوا على جواز إطلاق الأسماء والصفات على الباري تعالى إذا ورد بها الإذن من الشارع وعلى امتناعه إذا ورد المنع عنه، واختلفوا حيث لا إذن ولا منع في جواز إطلاق ما كان سبحانه وتعالى متصفًا بمعناه ولم يكن من الأسماء الأعلام الموضوعة في سائر اللغات إذ ليس جواز إطلاقها عله تعالى محل نزاع لأحد، ولم يكن إطلاقه موهمًا نقصًا بل كان مشعرًا بالمدح فمنعه جمهور أهل الحق مطلقًا للخطر، وجوزه المعتزلة مطلقًا، ومال إليه القاض أبو بكر لشيوع إطلاق نحو خدا وتكرى من غير نكير فكان إجماعًا، ورد بأن الإجماع كاف في الإذن الشرعي إذا ثبت.